درس في الصحافة

                     Leçon Du Journalisme                

 

تمهيد للنص:

اتفق فاتح الطيب الصحفي في جريدة العدالة مع رئيس التحرير على نشر إعلان للقراء يعلمهم فيه بقرب نشر فضيحة أخلاقية كبرى بطلها أحد كبار رجال الأعمال، تتعلق بابنة غير شرعية له داراها عن الأعين، وأخفاها عن عائلته، وأن الجريدة ستنشر قريبا ملفها الكامل.

فوجئت السيدة هدى مديرة الجريدة بالإعلان المنشور في جريدتها عن قرب تفجير فضيحة كبرى لأحد رجال الأعمال. استدعت طارق رئيس التحرير وسألته عنه، فأجابها بأن ابنها فاتح هو الذي أعده، وكان يعتقد أنها على علم بما ورد فيه. طلبت أن يحضر لها الملف، فقرأته وشاهدت الصور فصدمت.

" لم يقدر فاتح خطورة ما فعل. كان جل همه أن ينتقم من مصباح وزوجته ليلى على ما فعلاه بخاله صلاح الدين. وحين طلبت منه أمه توضيحا لمحاولة نشر الملف دون علمها أجابها: "كنت أعرف أنك سترفضين نشر الملف لأسباب أخلاقية".

علقت مؤمنة على كلامه: "طبعا فنحن أبعد الناس عن الانتقام والإساءة لطفلة بريئة لا ذنب لها و..".

قاطعها فاتح بقوله: "إذا فكر الصحفي بالناحية الأخلاقية فلن ينشر شيئا. الحقيقة هي الأساس في العمل الصحفي، ومن حق الناس أن يطلعوا عليها".

ردت الأم بهدوء: "نحن ننشر الحقيقة التي تكشف عيوب المجتمع من أجل إصلاحه، ولا ننشر الحقيقة التي تكشف عورات الناس من أجل الانتقام. لا بد أن نحدد الهدف مما نريد نشره أولا".

 علق فاتح متحديا: " الحقيقة واحدة لا تتجزأ يا أمي، وفي سبيلها لا توجد خطوط حمراء بالنسبة إلي. المهم ألا نخفي الحقيقة عن الناس، فمن حقهم أن يعرفوا كل الحقيقة، وأن نكشف لهم العيوب والعورات".

ردت الأم مسلمة: "ليكن ما تقول، ولكن قل لي: هل أعددت ملفا كاملا تقدم فيه الحقيقة للناس بالأدلة المادية الثابتة، أم أن ما فعلته مجرد استنتاجات؟"

تردد قليلا ثم أجاب: "هي استنتاجات قوية تقنع القارئ".

ردت الأم بلهجة المنتصر: "ولكنها لا تقنع المحكمة حين يرفع المتضررون دعوى علينا لأنها ليست الحقيقة. لا يمكن للصحفي أن يقدم خبرا للناس بهذا الحجم من الاتهام دون أن يكون متأكدا منه ومن تقديم الأدلة. أما إذا كان الهدف الانتقام من مصباح فهو الذي سينتصر ويغلق الجريدة".

ران الصمت برهة قطعته الأم بقولها: " لنعد إلى الناحية الأخلاقية. هل تقبل أن تنشر الحقيقة على الناس إن تعلق الأمر بعائلتك؟"

فوجئ فاتح بسؤالها فرد محتجا: "ما هذا الكلام يا أمي؟ أنت تتحدثين عن فرضية، وأنا أتحدث عن واقع، ومع ذلك ليس لدينا ما نخفيه في العائلة".

-  بل لدينا ما نخفيه يا بني.

نظر إليها مندهشا. ترددت قليلا قبل أن تتابع: "هل تعرف من أم حسام التي أخبرناك بأنها تركته رضيعا في الحافلة؟ أنا أعرف الحقيقة ولكني لم أستطع قولها للناس".

علق على ما ذكرته متعجبا: "تعرفين أمه التي تركته رضيعا في الحافلة، وتسكتين طيلة هذه المدة! المرأة التي تترك رضيعها في الحافلة لا تستحق اسم الأم".

فجرت الأم القنبلة بقولها: "أنا أم حسام".

تراجع في مقعده مصعوقا وقال مستنكرا: "أنت!"

-  نعم، وحسام أخوك من أمك.

كاد أن يقول لها: "حتى أنت يا أمي"، لكنه لم يستطع فسألها مستنكرا: "ومن أبوه؟"

ردت الأم بهدوء: "قبل أن أخبرك عن أبيه أذكرك بأن المجموعة الإرهابية التي قتلت أباك اختطفتني واحتجزتني ليلة كاملة ثم حررني رجال الجيش. وهذا منشور في صحف تلك الفترة".

علق الابن بنفاد صبر: "نعم. اطلعت على ذلك يا أمي".

-  لكن ما لا تعرفه أنني اغتصبت بعد اختطافي. اغتصبني خمسة شبان، والله وحده يعلم ما تعرضت له وكابدته من عذاب، أغمي علي بعدها ولم أستفق إلا بعد أكثر من أربع وعشرين ساعة في المستشفى. وعرفت أن رجال الجيش قضوا على كل الإرهابيين ووجدوني شبه ميتة في إحدى زوايا المغارة.

بعد مدة أحسست بالحمل وظننته من أبيك، ثم تذكرت أنني كنت مريضة قبل اختطافي ومن المستحيل أن أحمل من أبيك. نصحتني أمي بإسقاط الحمل ثم حمل إلي أبي فتوى تبيح الإسقاط في حالة الاغتصاب قبل أن يتكون الجنين، لكنني رفضت. كنت قد خسرت زوجي ولا أدري إن كنت سأتزوج أو أنجب فيما بعد. أحسست بأن الحياة المزروعة في أحشائي لا علاقة لها بالإرهابيين الخمسة الذين قتلوا جميعا في المغارة. كان علي وحدي أن أقرر إن كنت سأحتفظ بهذه الروح التي في بطني أو أزهقها، ولم أقبل إزهاقها".

توقفت بضع ثوان. كان ابنها ينظر إليها فاتحا فاه من الدهشة وغير مصدق. تابعت حديثها وهي تنظر إلى الأعلى حتى لا تقع عيناها في عينيه:

"لم أرض أن أعلن حملي ثم أسجله باسم أبيك فذلك خيانة لذكراه، وتعد على حقوقك أنت. ذهبت مع أمي إلى تونس عند خالك صلاح الدين حتى ولدت حسام وهو مسجل باسمي في المصحة التي كنت فيها. عدت به بعد شهور إلى الجزائر ورتبنا حكاية عثورنا عليه في الحافلة. وساعدتنا مديرة مركز الأيتام في قسنطينة على كفالته دون أن تعرف أنه ابني".

 صمتت هدى لحظة ثم أضافت: "لا يعلم بهذه القصة سوى جدك وجدتك وخالك. ولم أكن أريد أن أخبرك بما تعرضت له أمك حتى لا تتعذب، ولكني اضطررت أن أقول لك الحقيقة التي أخفيتها عن الناس لأنهم كثيرا ما يبرؤون الجاني ويدينون الضحية، وأعني بالضحية أخاك حسام".

ران الصمت دقيقة كان فاتح يحاول خلالها أن يهضم ما حدث ويعيد حساباته فيما يتعلق بالحقيقة. قطعت السيدة هدى الصمت بقولها وهي تنظر في عينيه هذه المرة: "ما دمت من أنصار الحقيقة، انشرها على الناس بدل أن تنشر مجرد تخمينات تعرضك للملاحقة القانونية وربما السجن".

انحنى فاتح على يد أمه يقبلها ثم عانقها قائلا: "فهمت الدرس يا أمي، وأنا آسف لأني ذكرتك بحوادث أليمة". 

"القاضية والملياردير" – "الخيط السابع"

 

الأسئلة:

1- لماذا أخفى فاتح عن أمه ملف الفضيحة الأخلاقية؟

2- هل تعتقد أن رئيس التحرير أخطأ بنشر الإعلان والموافقة على نشر الملف أم لم يخطئ؟ علل

    إجابتك مبينا مهمته وواجبه المهني والأخلاقي في الجريدة.

3- هل كان دافع فاتح إيصال الحقيقة إلى القارئ؟ وضح إجابتك بشاهد من النص.

4- هل يمكن أن يبني الصحفي ملفا، يفجر فيه فضيحة أخلاقية، على استنتاجات وقناعات شخصية

    دون أدلة؟ وما المسؤولية القانونية والأخلاقية التي تنجم عن ذلك؟

5- لماذا قررت السيدة هدى الاحتفاظ بالجنين؟ وما رأيك في قرارها؟

6- هل أخفت السيدة هدى الحقيقة عن الناس لتحمي نفسها أم لتحمي ابنها حسام؟ دعم إجابتك بشاهد

    من النص.

7- ما المصاعب التي كان سيتعرض لها حسام لو عرف الناس الحقيقة؟

8- ما الحقيقة التي توافق على نشرها السيدة هدى والحقيقة التي تستنكف عن نشرها؟ وهل توافقها

   أو تخالفها في ذلك؟ علل إجابتك.